فصل: الخبر عن انتقاض أهل فاس على أبي يحيى بن عبد الحق وظفره بهم بعد إيقاعه بيغمراسن وقومه بايسلى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن انتقاض أهل فاس على أبي يحيى بن عبد الحق وظفره بهم بعد إيقاعه بيغمراسن وقومه بايسلى:

لما ملك الأمر أبو يحيى بن عبد الحق بمدينة فاس سنة ست وأربعين وستمائة استولى على بلاد المغرب بعد مهلك السعيد وقام بأمر الموحدين بمراكش أبو حفص عمر لمرتضى ابن السيد أبي إبراهيم إسحاق الذي كان قائد عسكر الموحدين في حربهم مع بني مرين عام المشغلة ابن أمير المؤمنين أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن كان السعيد تركه واليا بقصبة رباط الفتح من سلا فاستدعاه الموحدون وبايعوه بيعة الخلافة وقام بأمرهم فلما تغلب الأمير أبو يحيى على بلاد المغرب وملك مدينة فاس كما ذكرناه خرج إلى بلاد فازاز والمعدن لفتح بلاد زناتة وتدويخ نواحيها واستعمل على فاس مولاه السعود بن خرباش من جماعة الحشم أخلاف بني مرين وصنائعهم وكان الأمير أبي يحيى استبقى بها من كان فيها من عسكر الموحدين من غير عيصهم في السبيل التي كانوا عليها من الخدمة وكان فيهم طائفة من الروم استخدمهم إلى نظر قائدهم شأنه وكانوا من حصة السعود هنالك ووقعت بينهم وبين شيع الموحدين من أهل البلد مداخلة وفتكوا بالسعود عاملهم وقلبوا الدعوة للمرتضى الخليفة بمراكش سكيت الحلبة ومخلف المضمار وكان المتولي لكبر تلك الثورة ابن حشار المشرف وأخوه وابن أبي طاهر وابنه اجتمعوا إلى القاضي أبي عبد الرحمن المغيلي زعيم فئة الشورى بيهنم يومئذ وتوامروا فيها وأغروا قائد الروم بقتل السعود وعدوا عليه بمقعد حكمه من القصبة وهاجوه ببعض المحاورات فغضب ووثب عليه الرومي فقتله وطاف برأسه الهاتف بسكك المدينة في شوال سنة سبع وأربعين وستمائة وانتهبت داره واستبيحت حرمه ونصبوا قائد الروم لضبط البلد وبعثوا بيعتهم إلى المرتضى واتصل الخبر بالأمير أبي يحيى وهو منازل بلد فازاز فأفرج عنها وأغذ السير إلى فاس فأناخ بعساكره عليها وشمر لحصارها وقطع السابلة عنها وبعثوا إلى المرتضى بالصريخ فلم يرجع إليهم قولا ولا ملك لهم ضرا ولا نفعا ولا وجه لما نزل بهم وجها حاشا إنه استجاش بالأمير أبي يحيى يغمراسن بن زيان على أمره وأغراه بعدوه وأمله لكشف هذه النازلة عمن انحاش إلى طاعته وتعلقت أطماع يغمراسن بطروق بلاد المغرب فاحتشد لحركته ونهض من تلمسان للأخذ بحجزة الأمير أبي يحيى عن فاس وإجابة صريخ الخليفة لذلك وبلغ الأمير أبا يحيى خبر نهوضه إليه لتسعة أشهر من منازلته البلد فجمر الكتائب عليها صمد إليه قبل وصوله من تخوم بلاده والتقى الجمعان بايسلى من بسائط وجدة فتزاحف القوم وأبلوا وكانوا ملحمة عظيمة هلك فيها عبد الحق بن محمد بن عبد الحق بيد إبراهيم بن هشام من بني عبد الواد ثم انكشف بنو عبد الواد وهلك يغمراسن بن تاشفين من أكابر مشيختهم ونجا يغمراسن بن زيان إلى تلمسان وانكفأ الأمير أبو يحيى إلى معسكره للأخذ بمخنق فاس فسقط في أيدي أهلها ولم يجدوا وليجة من دون طاعته فسألوا الأمان وبذله لهم على غرم ما تلف له من المال بداره يوم الثورة وقدره ماية ألف دينار فتحملوها وأمكنوه من قياد البلد فدخلها في جمادى من سنة ثمان وأربعين وستمائة وطالبهم بالمال فعجزوا ونقضوا شرطه فحق عليهم القول وتقبض على القاضي أبي عبد الرحمن وابن أبي طاطو وابنه وابن حشار وأخيه المتولين كبر الفعلة فقتلهم ورفع على الشرفات رؤوسهم وأخذ الباقين بغرم المال طوعا أو كرها فكان ذلك مما عبد رعية فاس وقادهم لأحكام بني مرين وضرب الرهب على قلوبهم لهذا العهد فخشعت منهم الأصوات وانقادت الهمم ولم يحدثوا بعدها أنفسهم بغمس يد في فتنة والله مالك الأرض ومن عليها.

.الخبر عن تغلب الأمير أبي يحيى على مدينة سلا وارتجاعها من يده وهزيمة المرتضى بعدها:

لما كمل للأمير أبي يحيى فتح مدينة فاس واستوسق أمر بني مرين بها رجع إلى ما كان فيه من منازلة بلاد فازاز فافتتحها ودوخ أوطان زناتة واقتضى مغارمهم وحسم علل الثائرين فيها ثم تخطى إلى مدينة سلا ورباط الفتح سنة تسع وأربعين وستمائة فملكها وتاخم الموحدين بثغرها واستعمل عليها ابن أخيه يعقوب بن عبد الله ابن عبد الحق وعقد له على ذلك الثغر وضم إليه الأعمال وبلغ الخبر بذلك إلى المرتضى فأهمه الشأن وأحضر الملأ من الموحدين وفاوضهم واعتزم على حرب بني مرين وسرح العساكر سنة خمسين وستمائة فأحاطت بسلا فافتتحوها وعادت إلى طاعة المرتضى وعقد عليها لأبي عبد الله بن أبي يعلو من مشيخة الموحدين وكان المرتضى قد صمد بنفسه سنة تسع وأربعين وستمائة إلى محاربة بني مرين في جموع الموحدين وعساكر الدولة صمد بنو مرين للقائه والتقى الجمعان بايملولين ففضوا جموعه وكانت الدبرة عليه والظهور لهم ثم كان بعدها فتح سلا وغلب الموحدين عليها وأجمع المرتضى بعدها على احتشاد أهل سلطانه ومعاودة الخروج بنفسه إلى غزوهم لما خشي من امتداد أمرهم وتقلص ملك الموحدين فعسكر خارج حضرته سنة ثلاث وخمسين وستمائة وبعث الحاشرين في الجهات فاجتمع إليه أمم الموحدين والعرب والمصامدة وأغذ السير تلقاءهم حتى إذا انتهى إلى جبال بهلولة من نواحي فاس وصمد إليه الأمير أبو يحيى في عساكر بني مرين ومن اجتمع إليهم من دونهم والتقى الجمعان هنالك وصدقهم بنو مرين القتال فاختل مصاف السلطان وانهزمت عساكره وأسلمه قومه ورجع إلى مراكش مفلولا واستولى القوم على معسكره واستباحوا سرادقه وفساطيطه وانتهبوا جميع ما وجدوا بها من المال والذخيرة واستاقوا سائر الكراع والظهر وامتلأت أيديهم من الغنائم واعتز أمرهم وانبسط سلطانهم وكان يوما له ما بعده وأغرى أثر هذه الحركة عساكر بني مرين تادلا واستباح بني جابر حاميتها من جشم ببلد أبي نفيس واستلحم أبطالهم وألان من حدهم وخضد من شوكتهم وفي أثناء هذه الحروب كان مقتل علي بن عثمان بن عبد الحق وهو ابن أخي الأمير أبي يحيى شعر منه بفساد الدخلة والاجتماع للتوثب به فدس لابنه أبي حديد مفتاح بقتله بجهات مكناسة سنة إحدى وخمسين وستمائة والله تعالى أعلم.